148– (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعني لكلّ ملّة من اليهود والنصارى والصابئة والإسلام قبلة الله موجّههم إليها (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ) أي تسابقوا إلى فعل الخيرات لتجدوا جزاء أعمالكم يوم القيامة (أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا ) يعني حيثما متّم من بلاد الله يأتِ بكم الله إلى المحشر يوم القيامة (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلا يصعب عليه جمعكم .
149 – قال المسلمون : يا رسول الله فإنْ كنّا في سفر فإلى أين نتّجه في صلاتنا ؟ فنزلت هذه الآية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) يا محمّد إلى مكان في سفرك (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ) وأصلها : وإنّه الحقّ من ربّك ، فألصق الألف باللام سهواً من النسّاخ
= والسبب في ذلك أنّ القدماء كانوا يكتبون الألف مائلاً من أسفله إلى جهة اليسار فيكون مثل اللام فإذا كان الحبر في القلم كثيراً التصق الألف باللام الذي بعده ، فإنْ شئت أن تنظر ذلك بعينك فاذهبْ إلى متحف بالموصل تجد فيه محراباً من آثار أحد الجوامع التي بناها العبّاسيّون في الموصل مكتوب عليه آية الكرسي وهو حجر منحوت والكتابة بارزة =
والضمير في (وإنّه) يعود للقرآن والوحي ، والمعنى : وإنّ الوحي الذي يأتيك يا محمّد هو من ربّك فلا تلتفت إلى قول المشركين حيث قالوا : إنّ الوحي الذي يأتيك هو من الشيطان (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) وأصلها : عمّا يعملون ، يعني عمّا يعمل المشركون ، وهذا تهديد لهم بالعذاب على أقوالهم وأعماله السيّئة .
150 – لمّا نزلت الآية الآنفة الذكر قال المسلمون : يا رسول الله إنّ هذا الأمر خاصّ بك وفي سفرك ، فما حكمنا نحن في السفر ؟ فنزلت (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي لئلا يكون للعرب عليكم حجّة إذا تحاججتم معهم في أمر القبلة (إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ) وهم أهل مكّة الذين منعوكم عن الحجّ والدخول إليها فإنّهم لا يتحاججون بل يقاتلون فأولائك لا تفيد معهم الأدلّة والبراهين بل الحرب والقتال (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ ) أي فلا تخافوهم في الحرب (وَاخْشَوْنِي ) فلا تخالفوا أمري (وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) بأن جعلت لكم قبلة خاصّة غير قبلة اليهود ولو بقيتم على قبلتهم لاستحقروكم وعابوكم (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى عبادة ربّكم .
157 – (أُولَـئِكَ ) الصابرون (عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) الصلاة هي الصلة بين العبد وخالقه ، ومعناه إنّ الله تعالى يصل هؤلاء الصابرين بالخير ويتعطّف عليهم بالإحسان (وَرَحْمَةٌ ) أي ونعمة ، وهي النعمة التي يعطيها الله تعالى للمؤمنين في عالم البرزخ (وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) إلى طريق الجنّة يوم القيامة .
158 – كان في الصفا صنم يقال له إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة , وكان المشركون إذا طافوا بِهما مسحوهما ، فتحرّج المسلمون عن الطواف بينهما لأجل الصنمين ، فجاء رجل من المسلمين إلى النبيّ وقال : يا رسول الله إنّ الطواف بين الصفا والمروة كان على عهد الجاهلية وإنّي لأرى في ذلك حرجاً فهلاّ نغيّر هذه العادة فنعطي بدلها دراهم للفقراء والأيتام ، فنزلت هذه الآية (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ ) والتقدير : إنّ الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله ، أي من علائم متعبّداته ، جمع شعيرة وهي العلامة . والصفا والمروة موقعان معروفان بمكّة ، فالصفا اسم لكلّ فسحة من الأرض يجتمع فيها الناس للبيع والشراء ولا يزال هذا الاسم مستعملاً في لواء المنتفج "الناصرية" [محافظة ذي قار حالياً] بالعراق ، والمروة اسم لكلّ أرض ذات حصى ، (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ ) يعني فمن قصده بالأفعال المشروعة (أَوِ اعْتَمَرَ ) يعني أو زار البيت ، لأنّ لفظة "عمرة" معناها الزيارة ، فالحجّ زيارة البيت في وقت مخصوص والعمرة في أيّ وقت كان ، والحجّ للبعيد عن مكّة ، والعمرة لمن كان قريباً منها (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ ) أي فلا حرج على من حجّ البيت أو اعتمر (أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) يعني يطوف ما بين الصفا والمروة ، ويكون ذلك سبع مرّات ذهاباً وإياباً (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ) أي ومن تبرّع خيراً من الخيرات ، والخير الذي يتبرّع به الحاج يكون للفقراء والأيتام فيعطي سبع دراهم لفقير وسبعاً ليتيم (فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ ) لتطوّعه فيجازيه على ذلك أضعافاً (عَلِيمٌ ) بمن يتطوّع بالخيرات ومن يمتنع عنها .
منقول من كتاب
المتشابه من القران للمرحوم محمد علي حسن