السلـآم عليككم
بعدما أخذ الإِسْمَاعِيلِيُّونَ يُوسُفَ إِلَى مِصْر، اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ شخص يُدْعَى عزيز مصر بوتيفار وكان يحكم مصر وقتها العماليق(العماليق هم الكنعانيون)وكان على سدة الحكم الملك أبابي . فَأَفْلَحَ يوسف فِي أَعْمَاله ِ وَأَقَامَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ وَحَظِيَ يُوسُفُ بِرِضَى سَيِّدِهِ فَجَعَلَهُ وَكِيلاً عَلَى بَيْتِهِ وَوَلاَهُ عَلَى كُلِّ مَالَهُ ولكن ما َلْبَثْت أَنْ أُغْرِمَتْ بِهِ زَوْجَةُ مَوْلاَهُ وتدعي زليخة أو امرأة العزيز. َلَمْ يُذْعِنْ يُوسُفُ لَهَا مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُلِحُّ عَلَيْهِ يَوْما بَعْدَ آخَرَ ولكن يوسف ظل يرفض طلبها إلى أن وجهت تُهمة كاذبة ضد يوسف وأشتكته إلى زوجها فوُضع يوسف في السجن.(36\يوسف. (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)وفي السجن كان الله مع يوسف وقد نال يوسف ثقة من كان معه في السجن فذاع صيته. في يوم من الأيام قام موظفَا الفرعون بأخبار يوسف بالحلم الذي حلما به والذي لم يستطيعا تفسيره بنفسيهما. فسر يوسف حلميهما وقال بأن واحداّ منهما سيخرج من السجن في غضون ثلاثة أيام وهو الساقي وأن الآخر وهو الخباز سوف يُحكم عليه بالاعدام صلبا. فتحقق ما فَسَرهُ يوسف فأوصى الموظف الذي خرج من السجن بأن يَذكرهُ أمام الملك ولكن ذلك الموظف نسى أمر يوسف. جراء ذلك، بقي يوسف سبع سنين أُخر في السجن. في هذه الفترة حلم الملك بحلم غريب (43\يوسف. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).وهو أنه واقف بجوار نهر النيل وأذا بسَبْعِ بَقَرَاتٍ حِسَانِ الْمَنْظَرِ وَسَمِينَاتِ الأَبْدَانِ، صَاعِدَاتٍ مِن النهر أخذت ترعى في المرج ثُمَّ إِذَا بِسَبْعِ بَقَرَاتٍ أُخْرَى قَبِيحَاتِ الْمَنْظَرِ وَهَزِيلاَتٍ تَصْعَدُ وَرَاءَهَا مِنَ النَّهْرِ وَتَقِفُ إِلَى جُوَارِ الْبَقَرَاتِ الأُولَى عَلَى ضَفَّة النهر وَالْتَهَمَتِ الْبَقَرَاتُ الْقَبِيحَاتُ الْبَقَرَاتِ السَّبْعَ الْحَسَنَاتِ. فأقلق هذا الحلم الملك وأراد أن يعرف تفسيره. في هذه الأثناء تذكر مُوَظف الفرعون مُفسر الأحلام يوسف الذي كان معه في السجن فأستدعى الملك يوسف ففسر يوسف الحلم كما يلي: هُوَذَا سَبْعُ سِنِينَ رَخَاءٍ عَظِيمٍ قَادِمَةٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصر تَعْقُبُهَا سَبْعُ سَنَوَاتِ جوع. نصح يوسف الفرعون بأن يأمر رجاله بتخزين الحنطة القمح في سنابلة لسنين القحط. أُعجب الملك بكلام يوسف فعينَهُ نائب الملك وأطلق عليه اسم صَفْنَاتَ فَعْنِيح َوَزَوَّجَهُ مِنْ أَسْنَاتَ بِنْتِ فُوطِي فَارَعَ كَاهِن. وأنجبت أَسْنَاتَ ولدين ليوسف اسْمَ الْبِكْرِ مَنَسَّى والثَّانِي فَدَعَاه أَفْرَايِمَ.
[عدل] نائب ملك مصرخلال سنوات الرخاء السبع، جَمَعَ يوسف كُلَّ الطَعَامِ الْمُتَوَافِرِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وقام ببيعه للمصريين ولغير المصريين. تفشت المجاعة في البلاد المُجاورة لمصر أيضاً مما أضطر أخوان يوسف – عدا بنيامين إلى الذهاب لمصر للشراء بعض الحنطة. تعرف يوسف على أخوته الذين سجدوا له في الحلم الذي رأه يوسف وهو صغير. لقد عاملهم يوسف بخشونة وأتهمهم بالتجسس حتى يستطيع أن يأخذ ما يقدر من معلومات عن عائلتهم. كان يوسف يتمنى أن يرى بَنْيَامِينُ فطالب أحد الاخوان بجلبه وأبقى البقية في السجن لثلاثة أيام وبعدها أخرجهم وأرسل معهم حنطة ولكنه أبقى على شِمْعُونُ في السجن. وظلت المجاعة مُستمرة في أرض كنعان فأرسل يعقوب أولاده لطلب الحنطة مرة أُخرى ولكنهم تذكروا كيف أن يوسف لن يقبل بمجيئهم بدون أخيهم بَنْيَامِينُ ولكن يعقوب كان مُتردد من أرسال بَنْيَامِينُ معهم فقام يعقوب بأرسال هدية إلى يوسف لينال رضاه ولكن أمر يوسف بأرجاع الهدية والاموال في حقائب أخوانه.
[عدل] كشف الحقيقة للإخوانعندما جاء الإخوان إلى مصر للمرة الثانية, أحسن يوسف أستقبالهم وأعد وليمة لهم ولكنه أعطى اهتماماَ خاصاَ لبنيامين. أراد يوسف أن يختبر ماذا ستكون ردة فعل إخوانه إذا أبقى بنيامين معه, فأمر يوسف بأن تُملى أكياس إخوته بالحنطة وأن يوضع معها المال الذي دفعوه ثمناَ للبضاعة, إضافةَ لذلك أمر بوضع كأساَ فضية من الكؤوس التي له بين أغراض بنيامين. في صباح اليوم التالي هم الإخوان بالرحيل ولكن قبل ذلك جاء مُرسل من يوسف يتهمهم بسرقة الكأس الفضية. قام المُرسل بالتفتيش في أغراض إخوة يوسف وعندها وجد الكأس الفضية في أغراض بنيامين مما اضطرهم ا للرجوع إلى مصر. وبخ يوسف إخوته على ما فعلوه وقال يهوذا الذي كان المُتكلم بالنيابة عن أخوته بأنهم مستعدين أن يكونوا كعبيد ليوسف. ولكن يوسف رفض أقتراحهم وأخبرهم بأنه سيأخذ بنيامين للحجز. ولكن منظر أخوته أثر به فقام بكشف نفسه لهم وطالب بأن يرى والده يعقوب. قام يوسف بإرسال العديد من الهدايا إلى أبيه وطلب من إخوته أن يجلبوه بسرعة. قابل يوسف أباه فِي أَرْضِ جَاسَان وقال يوسف لأبيه أخوانه بأنه سيذهب إلى فرعون ويخبره بقدوم عائلتهُ وبأنهم رعاة فجاؤا مع ماشيتهم. َمَثَلَ يُوسُفُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَخَذَ خَمْسَةً مِنْ إِخْوَتِهِ وَقَدَّمَهُمْ إِلَيه, فسمح فرعون أن يسكنوا في أرض جاسان, وَأَنْزَلَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ فِي مِصْرَ وَمَلَّكَهُمْ فِي رَعَمْسِيسَ اجود الأرض. نَفَدَ الْخُبْزُ فِي جَمِيعِ الْبِلاَدِ لِشِدَّةِ الْمَجَاعَةِ، وَأَقْحَلَتْ أَرْضُ مِصْرَ وَأَرْضُ كَنْعَانَ مِنَ الجوع, فباع أهل مصر كل أراضيهم للفرعون مقابل الحنطة. قبل موت يعقوب, ذهب يوسف أبنه ليراه فباركه يعقوب وطلب منه أن يُدفن في أرض كنعان. عاش يوسف طويلاَ ورأى أحفاده, ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَعَشْرَ سِنِينَ فَحَنَّطُوهُ وَوَضَعُوهُ فِي تَابُوتٍ فِي مصر.
رأى يوسف يومًا في منامه، أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فلما استيقظ، ذهب إلى أبيه يعقوب في هذه الرؤيا. فعرف أن ابنه سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم، ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد. وكان يعقوب يحب يوسف حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه ويداعبه، مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له مؤامرة تبعده عن أبيه.
فاقترح أحدهم أن يقتلوا يوسف أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله، ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتل يوسف، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة، فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه. ولقيت هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذ يوسف وتنفيذ ما اتفقوا عليه، ففكروا قليلا، ثم ذهبوا إلى أبيهم وقالوا له: (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون)[يوسف: 11]. فأجابهم يعقوب أنه لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، وقال لهم: (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون)[يوسف: 13] فقالوا: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)[يوسف:14]. وفي الصباح، خرج الأبناء جميعًا ومعهم يوسف إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم، وما إن ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها، وشعر يوسف بالخوف، والفزع، لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك. وبعد أن نفذ إخوة يوسف مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، واخلعوا يوسف قميصه، وذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص يوسف. وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسف معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوا يوسف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم. فرأى يعقوب القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه، فقال لهم: عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا بيوسف أكله دون أن يقطع ملابسه. ثم قال لهم مبينًا كذبهم: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون)[يوسف: 18].
أما يوسف فكان لا يزال حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك، مرت عليه قافلة متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به يوسف، فنظر في البئر فوجد غلامًا جميلاً يمسك به، فأخرجه فإذا بإخوة يوسف ينظرون فأتوا إليه وقالوا هذا عبد لنا آبق، فسكت يوسف خوفاً من إخوته فشروه بثمن بخس (لأنهم لم يكن المال هو مايريدون) فأخذوه معهم إلى مصر ليبيعوه. وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضون يوسف للبيع، فذهب إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة. ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض فأصبح محاطًا بعطف العزيز ورعايته.
ومرت السنون، وكبر يوسف، وأصبح شابًا قويًّا، رائع الحسن، وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم، وازداد إعجابها به لحظة بعد أخرى، فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة والتعريض، لكن يوسف كان يعرض عنها، ويتغافل عن أفعالها، فأخذت المرأة تفكر كيف تغري يوسف بها. وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر، فتعطرت وتزينت، ولبست أحسن الثياب، وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته حجرتها، وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة. لكن يوسف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت، ورد عليها ردًّا بليغًا حيث قال: (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) [يوسف: 23]. ثم أسرع يوسف ناحية الباب يريد الخروج من المكان، لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة تفوتها، فجرت خلفه، لتمنعه من الخروج، وأمسكت بقميصه فتمزق. وفجأة، حضر زوجها العزيز، وتأزم الموقف، وزاد الحرج، لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها أمام زوجها، فاتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها، وقالت لزوجها: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)[يوسف: 25]. وأمام هذا الاتهام، كان على يوسف أن يدافع عن نفسه، فقال: (هي راودتني عن نفسي)[يوسف: 26]. فأنطق الله طفلا في المهد من أهل امرأة العزيز وقال ذلك الطفل: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)[يوسف: 26-27]. وهنا تتجلى حكمة الله وقدرته والمعجزة العظيمة إذا لو كان الناطق رجلا قد يكون كاذبا فلا يصدق، ولكن حكمة الله جرت على أن ينطق طفل في المهد حتى تكون الحجة أقوى والبرهان في براءة نبي الله يوسف. وقد يكون ذلك الطفل موجود في نفس المكان الذي جرى فيه ما جرى من أمر امرأة العزيز ونبي الله يوسف إذ أن الله وصفه في كتابه بأنه شاهد في قوله : (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)- يوسف 26. فالتفت الزوج إلى امرأته، وقال لها: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم)سورة يوسف: 28]، ثم طلب العزيز من يوسف أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتحدث به أمام أحد، ثم طلب من زوجته أن تستغفر من ذنبها وخطيئتها.
واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا يعرفه أحد، ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف، وطلبها للفاحشة، وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع فتاها، وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها، فغضبت غضبًا شديدًا، وأرادت أن تظهر لهن عذرها، وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها تفعل ذلك، فأرسلت إليهن، وهيأت لهن مقاعد مريحة، وأعطت كل واحدة منهن سكينا، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن. فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته، فلما رآه النسوة انبهرن بجماله وحسنه، وقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك، وظن جميع النسوة أن الغلام ما هو إلا ملك، ولا يمكن أن يكون بشرًا. فقالت امرأة العزيز: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)[يوسف: 32]. واقتنع النساء بما تفعله امرأة العزيز مع يوسف، فلما رأى ذلك منهن قال: (قال رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)[يوسف: 33]. وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف، فرأى القائمون على الأمر أن يسجن يوسف إلى حين، فسجنوه، وظل يوسف في السجن فترة، ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي، ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به، فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما، (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 36] ففسر لهما يوسف رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه. وقبل أن يخرج ساقي الملك من السجن طلب من يوسف أن يذكر أمره عند الملك، ويخبره أن في السجن بريئًا حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن، ولكن الساقي نسى، فظل يوسف في السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف. وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه، فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم ذلك، وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به، فقالوا: (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)[يوسف: 44]. لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر على معرفة تفسيرها، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك، ففسر يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك. ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج. ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له يوسف. ففرح الملك فرحًا شديدًا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، فقال الساقي: يوسف. فقال الملك على الفور: ائتوني به. فذهب رسول الملك إلى يوسف وقال له: أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة. فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله: ما رأينا منه سوءًا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا. عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء فقال يوسف: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)[يوسف: 55]. فوافق الملك على أن يتقلد يوسف هذا المنصب لأمانته وعلمه. وتحققت رؤيا الملك، وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك. وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، أبناء أبيه يعقوب، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون).[يوسف: 59-60]. فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم. وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وقالوا: (يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون)[يوسف: 63]، فرفض يعقوب. وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير. فقال لهم أبوهم: (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل)[يوسف: 66]، ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، فقال لهم: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)[يوسف: 67]. وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه. ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم: (إنكم لسارقون) [يوسف: 70]. فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير. وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك. فقال الحراس: (قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَإذِبِينَ)[يوسف: 74]. هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان يوسف يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم. فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل. وتذكر إخوة يوسف ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، فقالوا: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 78]. فقال يوسف: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) [يوسف:79]. وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها. فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، وقال: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يوسف: 83]، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه وقالوا: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين)[يوسف: 85]. فرد يعقوب عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف ما زال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا. وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.
ولما وصلوا دخلوا على يوسف، فقالوا له: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين)[يوسف: 88]. ففاجأهم يوسف بهذا السؤال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) [يوسف:89]، فتنبهوا إلى رنين هذا الصوت، وإلا هذه الملامح التي ربما يعرفونها، فقالوا: (أئنك لأنت يوسف) [يوسف: 90]. فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم يوسف عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، فقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين)[يوسف: 93]. فأخذوا القميص وخرجوا من مصر متوجهين إلى فلسطين وقبل أن تصل العير قال يعقوب لمن حوله: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)[يوسف: 94]، فقالوا له: تالله إنك لفي ضلالك القديم)[يوسف: 95] وبعد أيام عادة إخوة يوسف إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره. وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء. وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف وإكبار لوفائه، وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه، فقال: (يا أبت هذا تأويل رُءياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 100]. ثم توجه يوسف إلى الله يشكره على نعمه، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين) [يوسف: 101]. وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أكرم الناس. فقال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال: "فيوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله" [متفق عليه]