رياض المرشد
ذهب أحد القدماء قبل مئة عام تقريباً – وهو يروي ما حدث – عندما أصبح يتفقد أغنامه وأبله فرأى إحداها يكاد الربيع أن يفجر الحليب من ضرعها كلما اقترب ابن الناقة من أمه درت وانهل الحليب منها من كثرة الخير قال :فنظرت إلى ناقة من نياقي وتذكرت جاراً لي له بنيّات سبع فقراء فقلت : والله لأتصدقنّ بهذه الناقة وولدها لجاري وكانت أحب النياق إلى نفسي . والله تعالى يقول :" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" فأخذتها وابنها ودققت باب الجار وقلت خذها هدية منّي لك ,فرأيت الفرح في وجهه لا يدري ما يقول , فأخذها وأصبح يحلبها ويشرب منها ويطعم بنياته , فلما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه تشققت الأرض وبدأ البدو يرحلون ويبحثون عم الكلأ والماء فشددنا الرحال نبحث عن الماء بين الدحول ( حفر في الأرض متشعبة توصل إلى محابس مائية تحت الأرض ) فدخلت في هذا الدحل لأحضر الماء حتى نشرب .
وأولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرون فتاه تحت الأرض ولم يعرف الخروج , انتظر أولاده يومين وثلاثة فلم يخرج , فقالوا : لعل ثعباناً لدغه أو أنه ضاع تحت الأرض وهلك , وكانوا - والعياذ بالله – ينتظرون هلاكه طمعاً في الميراث ,فذهبوا إلى البيت وقسموا الميراث فقال أوسطهم : أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها للجار ؟ إن الجار لا يستحقها لنأخذها منه ونأخذ ابنها ونعطيه بدلاً منها بعيراً .
فذهبوا إلى المسكين وقرعوا عليه الباب وقالوا : هات الناقة فقال : ولمَ ؟ إن أباكم قد أهداني إياها وأنا آكل منها وأشرب , فقالوا أعد الناقة خيراً لك , وسنعطيك بدلاً منها هذا الجمل وإلاّ سحبنا الناقة عنوة ولن نعطيك شيئاً , قال : أشتكيكم إلى أبيكم , قالوا لقد مات , قال كيف ؟ لمَ لَمْ أدر؟ قالوا دخل دحلاً في الصحراء ولم يخرج منه , فقال اذهبوا بي إلى هذا الدحل ثم خذوا الناقة وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم , فذهبوا به فلما رأى المكان الذي دخل به صاحبه الوفيّ ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شعلة ثم ربطه خارج الدحل ونزل على قفاه حتى وصل إلى أماكن يحبو فيها وأماكن يزحف وأماكن يتدحرج ويشم رائحة الرطوبة تقترب ويسمع أنين الرجل عند الماء وأخذ يزحف على الأرض ووقعت يده على الطين ثم وقعت على الرجل فوضع يده على أنفاسه فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع , فقام وجره وربط عينيه حتى لا تنبهر بالضوء وسحبه إلى خارج الدحل وأطعمه التمر وسقاه وحمله على ظهره وجاء به إلى داره ودبت الحياة في الرجل من جديد وأولاده لا يعلمون : فقال أخبرني بالله عليك أسبوعاً كاملاً وأنت تحت الأرض ولم تمت قال : سأحدثك حديثاً عجباً , لمّا نزلت ضعت وتشعبت بي الطرق , فقلت آوي إلى الماء الذي وصلت إليه وأخذت أشرب منه ولكن الجوع لا يرحم والماء لا يكفي وبعد ثلاث أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ وبينما أنا مستلقٍ على قفاي وقد فوضت أمري وأسلمت نفسي إلى الله وإذا بي أحس بدفء اللبن يتدفق على فمي فاعتدلت في جلستي وإذا بإناء في الظلام لا أراه يقترب من فمي فأشرب حتى أرتوي ثم يذهب فأخذ يأتيني ثلاث مرات في اليوم ولكن منذ يومين انقطع لا أدري ما سبب انقطاعه , فقلت له لو تدري سبب انقطاعه لتعجبت . ظنّ أولادك أنك مت وجاءوا فسحبوا الناقة التي كان الله يسقيك منها , والمسلم في ظل صدقته