البكاء من خشية الله عز وجل علامة من علامات الإيمان الحق، وهي عبادة جليلة من عبادات المؤمن الحق
لقوله تعالى{إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} ،إلى أن قال :{أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم}
وكل مؤمن لابد أن يكون قد بكى من خشية الله في يوم من الأيام ولو مرة واحدة في حياته.
إلا أن بكاء الصالحين يتميز بميزات :
1/ أن يكون ذلك لهم دأباًَ وديدناً وسجية ، فكلما ذكروا الله أو قرأوا آية أو سمعوا حديثاً جرت دموعهم من خشية الله كما قال تعالى{إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}.
2/ أن يكون ذلك في خلوة من الناس لقوله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه »ولأن ذلك دليل الإخلاص والصدق في أنه من خشية الله.
3/ أن تضعف قواه حتى لا يستطيع الوقوف من شدة الخوف وفي ذلك يقول تعالى{إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}
ولما نزل قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون ما يؤمرون}
تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه يوماً فخر فتىً من الحاضرين مغشياً عليه ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم« يا فتى قل : لا إله إلا الله» فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه : أمن بيننا يارسول الله؟ فقال : «أوما سمعتم قوله تعالى {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} وتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في المسجد وكان بين يديه رجل أسود فشهق بالبكاء فنزل عليه جبريل «قائلاً : من هذا الباكي بين يديك ؟ قال رجل من الحبشة وأثنى عليه خيراً ،فقال جبريل : فإن الله عزوجل قد غفر لكل أهل المسجد ببكائه ، ولو أجتمع أهل الأرض كلهم لغفر لهم»
4/ أن يتساوى خوفه من الله ورضاؤه عنه فالبكاؤون شريحة ممتازة من الصالحين الذين أدت شدة مراقبتهم لله إلى أن تفيض عيونهم دمعاً من مهابة الله وخشيته ومخافته حيث جاء في الحديث القدسي : «البكاؤون من خشيتي أولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه»
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع » وسمع رجل قوله تعالى : {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}فقال : يا رسول بم نتقي النار؟؟ فقال : «بدمع عينيك ، فإن عيناً بكت من خشية الله لا تمسها النار أبداً» وصدق رسول الله حيث قال «كل عين باكية يوم القيامة إلا عين عفت عن محارم الله ، وعين سهرت في سبيل الله وعين خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله عز وجل»
وذلك أن الله عز وجل يحب البكاءين من خشيته لصفاء قلوبهم ، ورقة مشاعرهم ، ونقاء نفوسهم ، واستقاموا للعبادة في جنب الله مهما كانت عظيمة ووافرة ووافيه ، وخوفهم واستعظامهم لذنوبهم مهما كانت صغيرة . فعن أبي أمامه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين ، قطرة دمع من خشية الله ، وقطرة دم تراق في سبيل الله وأما الأثران ، فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله» .
ولأهمية هذه العبادة ونفاستها يسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصيب منها كل مسلم لو شاء فقال عليه الصلاة والسلام : «ما أغرورقت عين بمائها إلا حرم الله سائر ذلك الجسد على النار ولا سالت قطرة على خده فيرهق ذلك الوجه قتر ولاذلة ولو أن باكياً بكى في أمة من الأمم رحموا وما من شيء إلا له مقدار وميزان إلا أن الدمعة فإنها تطفأ بها بحار من نار» روي مرفوعاً وغير مرفوع عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم .
وروي أنه مما أوصى الله إلى موسى عليه السلام :«أن يا موسى إنه لم يتصنع إلي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ، ألم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ، ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي»
وعن عقبة بن عامر قلت يارسول الله ما النجاة ؟! قال :«أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك وأبك على خطيئتك »