توبيخ النفس ومعاتبتها
أعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين
جنبيك ، وقد خلقت أمارة بالسوء حيالة إلى الشر ، نافرة عن الخير ، ,امرت
بتزكيتها وقودها بالسلاسل القهر إلى عبادة خالقها ، ومنعها عن شهواتها ،
فإن أهملتها جمحت ولم تقدر بعد ذلك عليها وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة
كانت هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمأنة
المدعوة إلى الدخول في زمرة عباد الله راضية مرضية ، وسبيلك أن تقبل عليها
وتعرفها جهلها وحماقتها إذا نسبت إلى الحمق فتقول لها / ما أعظم جهلكِ
تدّعين الحكمة والذكاء والفطنة وأنتِ أشد الناس غباوة وجفاء أما تعرفين ما
بين يديكِ من الجنة والنار وأنتِ صائرة إلى أحدهما على القرب فما لكِ
تضحكين وبين يديكِ هذا الخطر العظيم الجسيم ، وعساكِ اليوم تخطفين أو غداً
فأراكِ ترين الموت بعيداً ويراه الله قريباً أما تعلمين أن كل ما هو آتٍ
قريب وأن البعيد ما ليس بآت أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم
رسول ولا مواعدة وأنه لا يأتي في زمان دون زمان ، ولا في حالة من العمر دون
حالة بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يأتي فيه الموت فجأة ، وأن لم يأتي
فجأة فالمرض يأتي فجأة فيفضي بك إلى الموت فما لكِ تستبعدين الموت وهو أقرب
إليكِ من كل قريب .