هل جزاء الإحسان إلا الإحسان....
.. يأمرنا الله سبحانه وتعالى
بأوامر هي في مقدور كل واحد منا ثم يجزينا عليها بأفضل الجزاء ويفيض علينا
بوافر النعم {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، ومن الأوامر
الربانية: الإحسان، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ
اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي
أصحابه بمراقبة الله وخشيته فقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "اعبد
الله كأنك تراه"، وحين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال صلى الله
عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
ومن فوائد الإحسان:
· محبة الله، فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
· معية الله بالنصر والتأييد {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون}.
·
ينقذ الله العبد من المهالك ويجعل له من كل بلاء عافية ومن كل ضيق
فرجاً، كما في قصة نبي الله يوسف فيقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ
وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
·
يهب الله لصاحب الإحسان فرقاناً يفرق به بين الحق والباطل وبين طريق
الهدى وطريق الشر، فيقول الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ}.
· الإحسان خُلق يكسب أهله الثناء من الله ثم
الثناء من عباده، ويقول الله سبحانه وتعالى: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ *
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
· صاحب الإحسان يسرع في التوبة عند المعصية.
·
يبلغنا أجر الطاعة كاملاً، حتى في الأعمال المباحة يصحح النية
فتكون عبادة يؤجر عليها، ويعين على عدم الإسراف في المباحات، ويؤدي شكر
الله عليها فيكون ذلك سبباً في زيادة النعم، وفي هذا يقول الله تعالى:
{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
أختاه: هل اشتقت للتعرف على هذا
الخلق بعد ما علمت فوائده؟ وهل تعلمين ما هو الإحسان؟ وكيف نحققه في
أنفسنا؟ وما الوسائل التي تعين على التخلق به؟
الإحسان هو:
· أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
· و هو إتقان الشيء وإكماله على الوجه الذي يرضى الله عنه.
· أساس الإحسان حب الله تعالى الذي يحمل المرء على ابتغاء مرضاته.
· والإسلام على ثلاث مراتب: الإسلام... والإيمان.... الإحسان. والإحسان هو أعلى مراتب المراقبة وهو أعلى مراتب الإيمان.
1ـ الإجادة والإتقان لكل عمل يقوم به المرء.. وذلك لأن الله كتب الإحسان في كل شيء وفي كل الأعمال، بمعنى:
· الإحسان مع الله بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه والبعد عما يغضبه.
·
الإحسان في الصلاة بأدائها في أوقاتها وعلى الوجه الذي يرضي الله
تعالى، الإحسان في توحيد الله بالبعد عن أماكن الشرك من زيارة المشعوذين أو
اللجوء لأحد غير الله.
· الإحسان مع الناس (الوالدين ـ الأبناء ـ الجيران ـ الأقارب ـ الأصدقاء..) بإعطائهم حقوقهم والتلطف معهم والرفق بهم.
·
الإحسان في الوقت بأن يفي المرء بوعده، فينضبط في الحضور في موعده،
ومن الأفضل في ذلك: بذل أنفس الأوقات لله فلا يذهب جهده كله لأعمال الدنيا
وكسب الرزق.. وبعد ذلك يذهب إلى متطلبات دعوته مجهداً نائماً، فهذا ليس من
الإحسان.
2ـ تفقد القلب ومحاسبة النفس: كي لا يدخل إلى القلب أي حسد
أو حقد أو سوء وظن أو غيبة أو كبر أو زيغ أو ميل للهوى. فالقلب يجول في
عدة مواطن، وهو متقلب بين ثلاثة مواطن سافلة: دنيا تزين له ـ نفس تحدثه ـ
عدو يوسوس له، وثلاثة مواطن عالية: إله يعبده ـ علم يتبناه ـ عقل يرشده.
3ـ
المداومة على قيام الليل والاستغفار: فيقول الله تعالى: {إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ
اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
4ـ
يتمثل الإحسان في الدعاة بتواضعهم مع الناس؛ فلا تعالي ولا شماتة ولا
استهزاء. ويكون هدفهم هو محبة الخلق والرحمة بهم طلباً لرضا الله عنهم.
الوسائل التي تعين على الإحسان:
1ـ
اليقين الكامل بأن الله تعالى عالم بكل ما يقع من العبد في السر والعلن
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي
السَّمَاء}.
ويحكى أن عمر بن الخطاب مر بغلام يرعى غنماً فقال: بعني
شاة، فقال الغلام: إني عبد مملوك وإني أرعاها لسيدي، فقال عمر: بعني واحدة
وقل أكلها الذئب، فقال الغلام: إن قلت له ذلك فماذا أقول لله؟! فاشتراه عمر
واشترى تلك الأغنام وأعتقه ووهب له الأغنام وقال: عسى أن يعتقك الله بهذه
الكلمات في الآخرة كما أعتقك بها في الدنيا.
2ـ اليقين الكامل بأن
الله يحصى علينا أعمالنا وسيحاسبنا عليها ففي الحديث القدسي "يا عبادي إنما
هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد
غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
3ـ ملازمة الصحبة الطيبة التي تعين على
الخوف من الله ومراقبته "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي"،
وخير الأصحاب من إذا نسيت الله ذكرك ومن إذا ذكرت الله أعانك.
4ـ الإخلاص والحرص على الحصول على ثواب الله في كل عمل.
5ـ التفقد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الصاحبة والتابعين واتخاذ القدوة الحسنة منهم في القول والعمل.
6ـ وأخيرا.. من الأمور المهمة في التخلق بخلق الإحسان: الصبر والتدرج فيه، والمجاهدة