-صلاة التراويح و التي تُعرف أيضاً بصلاة القيام هي صلاة النافلة التي تقام جماعة في ليالي شهر رمضان المبارك على إختلافٍ في عدد ركعاتها ، حيث يرى أبو حنيفة و الشافعي و ابن حنبل أنها عشرون ركعة ، و يرى مالك أنها ست و ثلاثون ركعة ، و هناك أقوال أخرى أحصاها ابن حجر فراجع إن شئت [1] .
و " التراويح " من الراحة ، لأن المصلي يستريح بعد كل أربع ركعات .
تاريخ صلاة التراويح :
أجمعت كُتب التاريخ و الحديث أن صلاة التراويح إبتدعها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، و أنها لم تكن تُصلى لا في عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و لا في عهد أبي بكر ، و لا في السنة الأولى من خلافة عمر بن الخطاب .
فقد رَوى البخاري [2] عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع [3] متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، و يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط [4] .
فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى و الناس يُصلون بصلاة قارئهم .
قال عمر : نعم البدعة هذه [5] ، و التي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله [6] .
وَ رَوى الحافظ جلال الدين السيوطي [7] عن العسكري [8] في كتاب الأوائل ، قال : و فيها ـ أي في سنة أربع عشرة ـ جَمَعَ عمر الناسَ على صلاة التراويح [9] .
هل الدين الإسلامي كامل ؟
لا يشك مسلم في أن الدين الإسلامي دين كامل و شريعة غير ناقصة قد بيَّن الله عَزَّ و جَلَّ الحلال و الحرام و الفرائض و السنن ، فمنها ما بيَّنها في كتابه الكريم ، و منها ما بيَّنها بواسطة رسوله المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) .
قال الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...
﴾ [10] .
هذا و لم يترك الرسول ( صلى الله عليه و آله ) شيئاً من أحكام الدين و الشريعة الغراء إلا و قد بَلَّغهُ و بينَّه أحسن تبليغ و تبيين .
و كيف يمكن أن يترك النبي ( صلى الله عليه و آله ) شيئاً فيه مصلحة للعباد و لا يبلغه و يبينه ، و قد قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
﴾ [11] .
فحاشا للرسول ( صلى الله عليه و آله ) أن يدع شيئاً من الأحكام و لا يبينه للناس حتى يأتي غيره ليضيف على الشريعة الإسلامية شيئاً من عنده ـ لم ينزل به القرآن الكريم ، و لم يأمر به رسوله الأمين ـ و يحسبها بدعة حسنة ، و إذا كانت الزيادة في الدين بدعة حسنة فما هي البدعة السيئة إذاً ؟!.
حكم صلاة التراويح :
يقول العلامة الإمام شرف الدين ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : ... صلاة التراويح ما جاء بها رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و لا كانت على عهده بل لم تكن على عهد أبي بكر و لا شرع الله الاجتماع لأداء نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء .
و إنما شرعه في الصلوات الواجبة كالفرائض الخمس اليومية ، و صلاة الطواف ، و العيدين و الآيات و على الجنائز .
و كان رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقيم ليالي رمضان بأداء سننها في غير جماعة ، و كان يحض على قيامها ، فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه ( صلى الله عليه و آله ) يقيمها .
و هكذا كان الأمر على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله سنة ثلاثة عشر للهجرة و قام بالأمر بعده عمر بن الخطاب ، فصام شهر رمضان من تلك السنة لا يغير من قيام الشهر شيئاً ، فلما كان شهر رمضان سنة أربع عشرة أتى المسجد و معه بعض أصحابه ، فرأى الناس يقيمون النوافل و هم ما بين قائم و قاعد و راكع و ساجد و قارئ و مسبح و محرم بالتكبير و محل بالتسليم في مظهر لم يرقه ، و رأى من واجبه إصلاحه فسن لهم التراويح أوائل الليل من الشهر و جمع الناس عليها حكماً مبرماً ، و كتب بذلك إلى البلدان و نصب للناس في المدينة إمامين يصليان بهم التراويح إماماً للرجال و إماماً للنساء ، و هذا كله أخبار متواترة [12] .
خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة :
رَوى ابن الأثير في جامع الأصول عن زيد بن ثابت قال :
إحتجر النبي صلى الله عليه [ و آله ] حجيرة بخصفه أو حصير ، قال عفاف في المجد و قال عبد الأعلى في رمضان ، فخرج رسول الله صلى الله عليه [ و آله ] يصلي فيها ، قال: فتبع إليه رجال و جاءوا يصلون بصلاته ، قال ثم جاءوا إليه فحضروا و أبطأ رسول الله صلى الله عليه [ و آله ] عنهم فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم و حصبوا الباب ، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه [ و آله ] مغضباً ، فقال لهم : ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه ستكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة [13] .
و سُئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلَّم ) : " الفريضة في المسجد ، و التطوّع في البيت " [14] .
و في صحيح مسلم ، حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله ( صلى الله عليه [ و آله ] و سلم ) في رمضان ؟
قالت : ما كان رسول الله ( صلى الله عليه [ و آله ] و سلم ) يزيد في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ، ثم يصلي ثلاثا .
فقالت عائشة : فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟
فقال : يا عائشة إن عيني تنامان و لا ينام قلبي [15] .
عَدَمِ جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ النَّوَافِلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَ لَا فِي غَيْرِهِ :
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ زُرَارَةَ ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ الْفُضَيْلِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ ( عليه السَّلام ) [16] ، وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقَ ( عليه السَّلام ) [17] عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَافِلَةً بِاللَّيْلِ فِي جَمَاعَةٍ ؟
فَقَالَا : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ فَيُصَلِّي .
فَخَرَجَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِيُصَلِّيَ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فَاصْطَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى بَيْتِهِ وَ تَرَكَهُمْ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، فَقَامَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عَلَى مِنْبَرِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ النَّافِلَةِ فِي جَمَاعَةٍ بِدْعَةٌ ، وَ صَلَاةَ الضُّحَى بِدْعَةٌ ، أَلَا فَلَا تَجَمَّعُوا لَيْلًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَ لَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الضُّحَى فَإِنَّ تِلْكَ مَعْصِيَةٌ ، أَلَا وَ إِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَ كُلَّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ ، ثُمَّ نَزَلَ وَ هُوَ يَقُولُ : قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ " [18] .
ما هي البدعة ؟
قال العلامة الطُريحي : البِدْعَةُ بالكسر فالسكون الحَدَثَ في الدين ، و ما ليس له أصل في كتاب و لا سنة ، و إنما سميت بدعة لأن قائلها ابتدعها هو نفسه ، و البدع بالكسر و الفتح جمع بدعة [19] .
و عليه فإن صلاة التراويح صلاة غير مشروعة و هي بدعة لا يجوز إقامتها لأنها ليست من سُنة النبي ( صلى الله عليه و آله ) و ما أمر الله بها في القرآن الكريم .
[1] فتح الباري بشرح صحيح البخاري : 3 / 253 ـ 254 ، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي .
[2] البخاري : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المتوفى سنة : 256 .
[3] جماعة متفرقون .
[4] الرَهَط : ما دون العشرة من الرجال .
[5] قال العلامة القسطلاني في بداية الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري عند بلوغه إلى قول عمر في هذا الحديث " نعمت البدعة هذه " : سماها بدعة لأن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لم يسن لهم الاجتماع لها ، و لا كانت في زمن الصديق ، و لا أول الليل ، و لا هذا العدد .