– (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ) يعني الأنعام التي أنزلها من الجبل الذي خلق الله فيه آدم ، وذلك قوله تعالى في سورة الزمر {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} ، (فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً) وذلك ما حرّموا من السائبة والبحيرة والوصيلة ونحوها (قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ) في ذلك التحريم والتحليل (أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ) أي تكذبون .
66 – لَمّا دعا الله المشركين إلى عبادته وإلى التوحيد أبَوا ولم ينقادوا فنزل قوله تعالى (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات) الأثيرية ، وهم الملائكة (وَمَن فِي الأَرْضِ) كلّها ، أي ومن في الكواكب السيّارة ، فهؤلاء يعبدونه وله يسجدون وهو غنيّ عنكم أيّها المشركون . ولَمّا نهاهم عن عبادة الأوثان والأصنام قالوا : إنّا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون . فقال تعالى عنهم (وَمَا يَتَّبِعُ) الأبناء آباءهم (الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء) إلاّ ظنّاً منهم بأنّ آباءهم مصيبون بذلك الحقيقة غير ضالّين عن الحقّ ، وذلك قوله تعالى (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ) يعني وما يتّبع الأبناء آباءهم في دينهم إلاّ ظنّاً منهم أنّهم على حقّ (وَإِنْ هُمْ) أي الآباء (إِلاَّ يَخْرُصُونَ) أي يكذبون على أبنائهم بأنّ الأصنام شفعاء عند الله .
71 – (وَاتْلُ) أي اقرأ (عَلَيْهِمْ) أي على مشركي مكّة (نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ) أي شقّ وعظم (عَلَيْكُم مَّقَامِي) بينكم (وَتَذْكِيرِي) أي وعظتي لكم (بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري وبه اعتصمت فلا تقدرون على قتلي لأنّ الله ناصري ومعيني (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ) يعني جنّكم وشياطينكم الذين يغوونكم ، فكلمة "أمر" تطلَق على كلّ مخلوق أثيري ومن ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} أي يحفظونه من الأرواح الشرّيرة والجنّ والشياطين . (وَشُرَكَاءكُمْ) أي واجمعوا شركاءكم الذين تعبدونهم من دون الله (ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) أي ثمّ لا تكن الجنّ مستورة عنكم بل تُظهر أنفسها لكم وتشاوروا فيما بينكم واعملوا مكيدة ضدّي إن قدرتم على ذلك (ثُمَّ اقْضُواْ) كيدكم (إِلَيَّ) أي انهوا كيدكم فيّ (وَلاَ تُنظِرُونِ) أي لا تنتظرون ، والمعنى لو اجتمعتم أنتم وجنّكم وشياطينكم وشركاؤكم ودبّرتم مكيدة ضدّي لن تقدروا على شيئ من ذلك ولن يصيبني إلاّ ما كتب الله لي . ونظيرها في سورة هود
{فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ..الخ}
93 – (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) أي هيّأنا لهم مكاناً وأنزلناهم فيه ، وهي أرض كنعان (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي مكاناً خصباً1 صدقناهم فيه ما وعدناهم به من كثرة الأشجار والأثمار (وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) أي من الأنعام والطيور (فَمَا اخْتَلَفُواْ) في دينهم وأشركوا بعبادة ربّهم (حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ) يعني بعد ما جاءهم العلم في التوراة وعلى ألسن أنبيائهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئاً ، ولكنّهم اختلفوا بعد موت موسى فغيّروا دينهم وأشركوا بعبادة ربّهم ، وعبدوا البعليم وعشتاروث وغيرها (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمّد (يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر دينهم .
---------------------------------------------------
1 تصفها التوراة بأنّها أرض تدرّ اللبن والعسل – المراجع .
منقول من كتاب المتشابه من القران لمفسر القران و الكتب السمواية المرحوم محمد علي حسن الحلي |