* اسمه ونسبه :
عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي نسبه إلى تيم بن مرة ، أبو بكر الصديق ابن أبي قحافة .
* إسلامه ، وصحبته رسول الله عليه وسلم في مكة ، واشتهاره بالصديق : صحب أبو بكر رسول الله صلى الله عليه سلم قبل البعثة ، وسبق إلى الإيمان به فكان أول الناس إسلاماً وأشدهم تصديقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته .
كان سبب إسلامه رضي الله عنه ، أنه كان صديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يكثر غشيانه في منزله ومحادثته ويعرف أخباره . فلما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبوة أتى معه ورقة بن نوفل وسمع قوله فيه فكان متوقعاً لما اختصه الله به من كرامته .
وقد كان شارك حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي في بضاعة ، وأراد السفر معه فإنه ذات يوم لمع حكيم إذ أتى حكيماً آت فقال له إن عمتك خديجة بنت خويلد تزعم إن زوجها نبي الله مثل موسى وقد هجرت الآلهة ، فأرسل أبو بكر انسلالا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن خبره فقص عليه قصته فقال : صدقت بأبي أنت وأمي وأهل للصديق أنت . أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، ثم أتى حكيماً فقال له : يا أبا خالد رد علي مالي فقد وجدت عند محمد بن عبدالله أربع من تجارتك فأخذ ماله ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم . يروى ابن هشام عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر ابن قحافة ما عكم (ما أحجم) عنه حين ذكرته له وما تردد فيه .
وعن زيد بن أرقم قال : ( أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ) .
واشتهر بالصديق لمبادرته إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان يخبر به وأول ما أشتهر بذلك صبيحة (الإسراء) حينما جاء لمشركون فقالوا : ( هل لك إلى صاحبك ! يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس ! قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم : لئن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ ! قال : نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو روحه ) .
وروى ابن هشام عن الحسن البصري حديثاً مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف لأبي بكر المقدس قال أبو بكر : صدقت أشهد أمك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلما وصف منه شيئاً قال صدقت أنك رسول الله حتى إذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق .
* هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :
لما رأى أبو بكر الصحابة يهاجرون إلى المدينة ، تجهز للهجرة قبلها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( على رسلك ، فإني أرجوا أن يؤذن لي ) فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : (نعم) فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر – وهو الخبط – أربعة أشهر .
ولما أذن لرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة جاء لأبي بكر في ساعة لم يكن يأتيه فيها ، وقال له : قد أمرت بالخروج يعني الهجرة . فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله . قال : لك الصحبة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نعم) قال أبو بكر : فخذ – بأبي أنت يا رسول الله – إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بالثمن) فقامت عائشة وأسماء فجهزتا طعام السفر واحتمل أبو بكر معه ماله كله وهو خمسة آلاف درهم ، وانطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فحلقا بغار في جبل ثور فاختبأ فيه ، فكان عبدالله بن أبي بكر يأتيهما بخبر مكة بالليل ، ثم يصبح بين أظهرهم كأنه بات بها . وكان عامر بن فهيرة يرعى غنماً لأبي بكر ويريحها عليهما فيشربان من اللبن وكانت أسماء تضع لهم طعاماً فتبعث بها إليهما وعندما حمي الطلب على المشركون وقفوا على فم الغار ، ارتجف قلب الصديق ، فجعل يبكي فقال له رسول الله : ( لم تبكي ) ؟! قلت : أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن أبكي عليك !! فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (اللهم أكفناه بما شئت) . وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ، ويهيئ له مكاناً يستريح وحيناً يسير خلفه ، يخشى عليه الطلب . ويلقي رجل أبا بكر فيقول : يا أبا بكر ، من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني السبيل . يفعل أبو بكر هذا خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عيون قريش ووصلوا المدينة ، فتلقى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة ( فعدل بهم ذات اليمين ، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف ، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار – ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم – يحي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل أبا بكر حتى ظلل عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ) .
* مشاهدة :
حضر أبو بكر جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان له فيها مشاهدة ومواقف محمودة ففي بدر بنى الصحابة لرسول الله عريشاً ، وانتدبوا رجلاً يحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين ، فنهد لذلك الصديق ، شاهراً بالسيف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يهوى إليه أحد إلا أهوى إليه . حتى وصفه علي بن أبي طالب – في أيام خلافته – بأنه أشجع الناس . وشهد غزوة الخندق وبيعة الرضوان تحت الشجرة وعندما أبرم النبي صلى الله عليه وسلم ليبث مع قريش صلح الحديبية ، غز على المسلمين أن يرجعوا إلى المدينة دونما اعتمار وقام عمر بن الخطاب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبث إليه همه وغمه من قسوة الشروط – فيما يرى – على المسلمين . قال عمر : (فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟ قال : بلى قلت : ألسنا على حق وعودنا على الباطل ؟ قال : بلى قلت : فلم نعطي الدنية في دينا إذاً ؟ قال : ( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري . قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه العام قال : قلت : لا ، قال : (فإنك أتيه ومطوف به) . قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر ، أليس هذا نبي الله حقاً ، قال : بلى قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال : أيها الرجل ، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزة ، فوالله إنه على الحق قلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا قال : فإنك آتيه ومطوف به .
وهذا من عجائب الإلهام ، حيث تطابقت إجابة الصديق مع إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الكلمات .
وكان مع الرسول اله صلى الله عليه وسلم في خيبر وفتح مكة ، وحنين والطائف ، وتبوك وحجة الوداع وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين حيث فر الناس ودفع رسول الله رايته العظمى يوم تبوك إليه .
وبعثه أميراً على الحج سنة تسع ليقيم للناس حجهم ، ثم أردف علي بن أبي طالب بصدر سورة براءة وآمره أن يؤذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى : ( أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) .
* أعماله :
لله درك يا أبا بكر كم كنت عظيماً حينما حققت أهدافاً وأنجزت أعمالاً كثيرة جليلة كانت أياماً حافلة بأعمال الخير رغم أنها لم تدم إلا سنين وثلاثة أشهر ، ولعل من أهمها :
1- أنفاذ جيش أسامه بن زيد رضي الله عنه :
كان الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم قبيل لحاقه جهز جيشاً تحت إمرة الشاب أسامه بن زيد ، وأمره أن يوطئ البلقاء والدواروم ، وعقد الرسول صلى الله عليه وسلم الراية ثم أشتد به المرض فمكث الجيش ينتظر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، خارج المدينة فلما قضى نحبه ، وتولى أبي بكر الخلافة ، قال أبو بكر لأسامة نفذ أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم . فنفذه أسامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . فكان عزمه على ذلك كي يثبت لهم أن مركز الخلافة في قوة ، ولولا ذلك لما أرسل الجيش للقتال في بلاد الروم .
2- قضاء أبي بكر على المرتدين :
ما عاد أبو بكر يتسلم زمام المسؤولية في المدينة حتى بدأت الفتنة تطل برأسها كقطع الليل المنظم فبعد أن مضي جيش أسامه في طريقه إلى شرق الأردن جعلت وفود القبائل تتوارد على المدينة ليناقشوا في قضية الزكاة محتجين قوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) فقالوا إن الزكاة تدفع لمن كانت صلاته سكناً لنا فقط ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أنقطع ذلك بوفاته . توسعت الفتنة وأبو بكر ينظر رأي أصحابه فلا يجد إلا من يقوله له : اتركهم وما هم عليه من منع الزكاة حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم .
فقاتل أبو بكر المرتدين بمن معه من المسلمين فعقد مع جيش أسامه أحد عشر لواء لأحد عشر قائد منهم خالد بن الوليد وعمر بن العاص ، وشرحبيل ابن حسنة فنصرهم الله وفرق كلمة عدوهم وكسر شوكتهم .
3- جمع القرآن الكريم :
بعد أن نصر الله عز وجل الإسلام على يدي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يأتي أبو بكر ليمهد لهذه الأمة السبيل إلى الانتفاع بكتاب الله تبارك وتعالى وهي قاعدة من القواعد في بناء الأمة الإسلامية والعامل القوي في نهضتها .
فقام بجمع المواد التي كتب عليها القرآن الكريم ، وجعلها في مكان واحد بعد أن كانت متفرقة وذلك خوفاً عليها من الضياع .
4- الفتوحات الإسلامية :
اتجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى منازلة الدولتين الكبيرتين الفرس والروم ولم يتطلع إلى ذلك حباً في توسيع ملكه ولا طمعاً في ريف وجمال الشام ، كل ذلك لم يخطر على باله .
وهكذا فقد تقدمت الفتوحات الإسلامية في عهده رضي الله عنه على جبهتين :
الأولى : جبهة الفرس في الشرق :
انتدب رضي الله عنه لقيادة الجيوش الإسلامية على هذه الجبهة خالد بن الوليد ، وكان ذلك في شهر محرم من السنة الثانية عشر للهجرة ، وفتحوا معظم بلاد العراق من مملكة فارس.
الثانية : جبهة الروم في الشمال :
فقد وجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن سعيد بن العاص لفتح مشارق الشام وعسكر بتيماء ، والتقى بالروم ثم كتب لأبي بكر يطلبه المد والعون فجهز أبو بكر رضي الله عنه أربعة جيوش .
الأول : قائد عمر بن العاص ، ووجهته فلسطين .
الثاني : قائده شرحبيل بن حسنة ووجهته الأردن .
الثالث : قائده يزيد بن أبي سفيان ووجهته البلقاء .
الرابع : قائده أبو عبيده بن عامر بن الجراح ووجهته حمص .
وجمعت الروم فأشار عمر بن العاص على الأمراء بالاجتماع ، فاجتمعوا باليرموك وكل أمير على جيشه والروم أمامهم، وبين الفريقين خندق فكان يقاتلون باختيارهم ويحتجزون الخنادق باختيارهم وبقي الأمراء على هذه الحال ثلاثة أشهر .
فكتب الأمراء إلى أبي بكر يطلبون منه المدد ، فكتب إلى خالد بن الوليد في العراق يوجهه إلى الشام ووصل خالد بوقت قصير وكان الروم وصلوا بنفس الوقت ، ثم رأى المسلمون أن يجتمعوا تحت قيادة خالد فكانت معركة اليرموك التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً وسيبقى التاريخ يذكر ذلك النصر وتلك المعركة .
* تضحيته :
لقد ضحي أبو بكر فكان قمة في التضحية والبذل ضحى بماله ، وضحي بنفسه وهذا البذل وهو النتيجة الطبيعية للإيمان ، فإن الإيمان إذا عمر قلب إنسان جعله يستعذب كل شيء يقدمه في سبيل الله ، فإن إيمان أبي بكر الذي بلغ القمة لابد أن يسفر عن تضحيته وبذل وعطاء يبلغ القمة أيضاً .
ومن تضحيته في سبيل الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً حاولت الاعتداء يوماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر يدفعهم عنه وهو يقول : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فتحول حقدهم لأبي بكر فجعلوا يضربونه ويشدون شعره ، حتى أغمي عليه فلما أفاق قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول له : بخير، فيقول : والله لا ذقت طعاماً ولا شراباً ولم تهدأ نفسه حتى أطمأن على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما تضحيته بماله : فقد اشترى سبع رقاب وأعتقهم في سبيل الله لما كان لهم من الأذى حتى أن أباه قد لامه على ذلك فقال له يا بني إني أراك تعتق رقاباً ضعفاء فلو أنك أعتقت رجالاً يساعدونك ، فيقول له أبو بكر : يا أبت إنما أريد وجه الله عز وجل .
ويكفي أبا بكر فخراً حينما تولى الخلافة جعل ماله كله في بيت مال المسلمين وقال : كنت أتجر فيه فلما وليت أمر المسلمين شغلت عن التجارة والطلب . فقد جعل كل ماله في خدمة المسلمين .
* وفاته :
توفى أبو بكر رحمه الله مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الأخر سنة ثلاث عشر للهجرة ، فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال رحمك الله يا أبا بكر فقد تولى الخلافة ليقود الأمة في طريق الوحدة والإيمان رغم إن نفسه لا تطوعه في تحمل المسؤولية الجسيمة خوفاً من التقصير والتفريط .. وهكذا كانت توليه الخلافة لصالح الإسلام وأمة المسلمين .
الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
* اسمه ونسبه :
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي ، العدوي نسبه إلى عدي بن كعب .
* إسلامه :
بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مجتمعاً مع أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم ليعلمهم القرآن جاء الخبر إلى عمر بن الخطاب ، فخرج إليهم متوشحاً سيفه يريد شراً فلقيه أحد المشركين (نعيم بن عبدالله) فقاله له : أين تريد يا عمر ؟ فقال : أريد محمداً هذا الصحابي الذي فرق أمر قريش وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله .
فقال له نعيم : والله لقد عرفتك نفسك من نفسك يا عمر ، أفلا ترجع إلى أه بيتك فتصلحهم أولاً ؟
قال عمر : أي أهل بيتي ؟
قال نعيم : أختك فاطمة وزوجها وكان عندهما خباب يعلمهما القرآن فلما سمعوا صوت عمر ، اختبأ خباب ، ووضعت فاطمة الصحيفة تحت فخذها .
فلما دخل عمر وكان قد سمع صوت خباب – قال ما هذا الصوت الذي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئاً .
قال : بل والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه فضرب زوج أخته فقامت أخته فاطمة لتمنعه عن ضرب زوجها ، فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وزوجها : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فأصنع ما بدالك .
فلما رأى عمر الدم على وجه أخته ندم على ما فعل وطلب من أخته الصحيفة ليقرأها ، فأبت أن تسلمه حتى يغتسل ففعل فلما قرأ قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه وقال : يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته يقول : اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب .
فذهب عمر لرسول بصحبة خبيب وقال له : يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون .
وهكذا أعز الله الإسلام بإسلام عمر الفاروق رضي الله عنه فلقبه الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاروق ، أخرج ابن سعد عن أيوب بن موسى قال : ( قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل ) .
* هجرته :
روى الإمام المؤرخ ابن الأثير في (أسد الغابة ) بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مخفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه ، وتنكب قوسه وانتصى في يده أسهماً واختصر عنزته ، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متملكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الخلق واحدة واحدة وقال لهم : شاهمت الوجوه ، لا يرغم إلا هذا المعاطس من أراد أن تثكله أمه ويؤتم ولده وترمل زوجته فليلقيني وراء هذا الوادي ! قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ، ومضى لوجهه . كما أخرج عن البراء رضي الله عنه قال : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ثم ابن أم مكتوم ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكباً . وقالوا : لما هاجر عمر إلى المدينة نزل على رفاعة بن عبد المنذر بقباء وآخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عمر وأبي بكر وبينه وبين عويم بن ساعدة ويقال بينه وبين معاذ بن عفراء ، وأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة وخط له ، وشهد عمر بدراً وأحداً والخندق وجميع المشاهد ، وكان ممن انكشف يوم احد ، ممن غفر له وخرج في عدة سرايا كان اسيراً بعضها .
* مشاهدة :
شهد عمر مع رسول صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وخبير والفتح وحنيناً والطائف وتبوك وسائر المشاهد وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على بعض السرايا وكانت له مواقف مشهورة محمودة وكان شديداً على الكفار والمنافقين .
ففي بدر : أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسرى ونزل القرآن على وفق قوله في ذلك .
وفي احد : كان فيمن ثبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تصدى لأبي سفيان عندما لعبت نشوة النصر برأسه ، وظن أن النبي وأبا بكر وعمر قد توافي المعركة .
وفي الحديبية : بعد أن تم الصلح بين المسلمين والمشركين ، ومنع الرسل صلى الله عليه وسلم وصحبه من الاعتمار والطواف بالبيت فكان لعمر هذا الموقف الفذ الذي يتناسب مع طبيعته في شدته على الكفار .
* حبه للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاعه عنه :
روى البخاري عن عبدالله بن هشام بن زهرة التميمي قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك ) فقال له عمر : فإنه الآن – والله – لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر) .
جاء خبر يهود زيد بن سعنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دنياً ، وقد أراد أن يستكمل معرفة علامات النبوة فيه ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم – وهو في جنازة مع أصحابه : ( يا محمد ألا تقتضيني حقي ؟ فوالله ما علمتكم نبي عبدالمطلب لمطل ! قال زيد: فنظر إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ! ثم قال : يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتفعل ما أرى ؟! فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر من لومة لضربت بسيفي رأسك ) !
ولما أنقضت غزوة بدر وذكر المشركون مصابهم في قتلاهم ، عزم عمير بن وهب الجمحي علي قتل رسول الله صلى الله علبيه وسلم ، فشحن سيفه وانطلق حتى قدم المدينة وأناخ على باب المسجد فرآه عمر – في نفر من المسمين – فقال : ( هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر وهو الذي حر بيننا ، وحزرنا للقوم ببدر ثم أقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها ، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
* أعماله :
لقد كانت خلافة الفاروق رضي الله عنه حافلة بالأعمال الجليلة التي قدمها =لنشر الإسلام وبسط نفوذ الحق على أرض الله الواسعة وإرساء دعائم الحكم وأنظمته التي أصبحت تقتضيها طبيعة الدولة المتراكمة الأطراف .
ونستطيع أن نلخص أعماله بالآتي :
1- الاستمرار في عملية الفتوحات الإسلامية .
حاربت الجيوش الإسلامية في عهد عمر على جبهات ثلاث :
الجبهة الأولى – جبهة الفرس :
فحين ولي عمر الخلافة سنة 14هـ أمر رضي الله عنه بتأسيس مدينتين في العراق من اجل أن تكون منطلقاً للجيوش الفاتحة وقواعد عسكرية لهذه الجيوش هما البصرة والكوفة ، وبقي القتال بين المسلمين والفرس في منطقة الفرات على شكل مجموعات قبلية لهم يجابهون بها المسمين وحين ولي أبو موسى الأشعري البصرة ، بقي الأمر كذلك إلا أن أخذ عمر بن الخطاب برأي الأحنف بن قيس ، حيث رأى أن يوسع دائرة الفتوحات ، فأصدر عمر أمره إلى أبي موسى إلا شعري بأن يخرج من البصرة غير بعيد ويقيم حتى يأتيه أمره ثم بعث عمر إلى أبي موسى يألويه الأمراء الذين سيسيرون في بلاد العجم – بلاد فارس – وكانوا سبعة :
1- لواء خرسان للأحنف بن قيس .
2- لواء أردشير خره ، لمجاشع بن مسعود .
3- لواء أصطخر عثمان بن أبي العاص الثقفي .
4- لواء فسا ، وداريجرد ، لساريه بن رنيم الكناني .
5- لواء كرمان ، لسهيل بن عدي .
6- لواء سجستان ، لعاصم بن عمرو .
7- لواء مكران ، للحكم بن عمير التغلبي .
وانطلقت هذه الجيوش من البصرة قاصدة الأمكنة التي أمروا بفتحها .
الجبهة الثانية : جبهة الروم في بلاد الشام :
كانت معركة اليرموك الفاصلة التي استطاع فيها المسلمون أن يوجهوا ضربة موجهة للروم في بلاد الشام بقيادة أمين هذه الأمة أبي عبيدة الجراح وساعده خالد بن الوليد رضي الله عنهما ، وما أن مرت فترة من الزمن وفي السنة الرابعة عشر يبلغ الخبر المسلمين بأن مدداً قد جاء الروم ، وأنهم يعدون لحربهم فسارع المسلمون إلى دمشق وحاصرها أبو عبيدة من جهة وخالد بن الوليد من جهة أخرى ودام الحصار ما يزيد على الشهرين إلى أن فتحت دمشق ما بين صلح وعنوة ثم بعدها حمص وبعلبك وحماه واللاذقية وحلب حتى وصل المسلمون إلى إنطاكية والبسفور .
الجبهة الثالثة :
رانت مصر آنذاك خاضعة للحكم الروماني فستأذن عمرو بن العاص أمير المؤمنين في فتحها فوافق عمر فسار بجيش كثيف فدخلها ثم لحقه الزبير وكان ذلك سنة (20هـ) ونزل المسلمون مكاناً اسمه (الفسطاط) حيث بنوا فيه بنياناً وأنشأوا فيها مساجد وأنشأ عمرو مدينته . ثم سار إلى الاسكندرية فلتقى مع الروم وانتصر عليهم .
وهكذا ساد الإسلام أرضاً أخرى وانتشر في ربوعها وارتفعت أصوات المآذن بالتوحيد .
2- وضع أسس نظام الحكم :
أ- الخلافة :
أول من تسمى باسم الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولذلك يعتبر هو من وضع هذا النظام بعد استشارة الصحابة بذلك والجديد في عهد عمر هو وضع الأسس وتحديد صلاحيات الخليفة وعلاقته مع رعيته وكل ذلك مستمد من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته .
ب- الولاية :
وضع عمر بن الخطاب نظام ولاية الأمصار الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين فقد وضعها بشكل مستقر ففي عهده سمي الوالي أو العامل بالأمير .
ج- بيت المال :
أول من اتخذ بيتاً للمال عمر بن الخطاب وكان إيراده من زكاة المسلمين وجزية أهل الذمة وخمس الغنائم ومواريث من ليس لهم وارث من موتى المسلمين .
فقد دون دواوين لحصر أسماء لمستحقات وفرض الاعطيات .
3- نشر العلم وانتشار العلماء :
حرص عمر على نشر العلم في أطراف العالم الإسلامي وخاصة تعليم القرآن الكريم والفقه. لأن في ذلك قيام الدولة وحياة الأمة .
فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري بإقراء أهل البصرة كتاب الله أثناء ولايته إياها .
وكان رضي الله عنه يرسل بعض الصحابة ليعلموا الناس الفقه .
* نصيحته :
حدثني أحمد بن هشام بن بهرام ، حديثاً يزيد بن هارون ، حدثني عمرو الناقد ، عن إسماعيل بن عليه ، حديثاً ابن عون ، عن نافع ابن عمر أن عمر أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ا رسول الله ، ما أصبت مالاً أنفس منه عندي ، فلما تأمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت تصدق بها ، وحبست أصبها ، فجعلها عمر صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث وتصدق بها الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغزاة في سبيل الله والضيف وفي الرقاب ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها ، ويطعم صديقاً غير متمول مالاً قال : وأوصي بها إلى حفصة أم المؤمنين ، ثم إلى الأكابر فالأكابر من ولده .
حدثني محمد بن سعد ، حدثني اليساري ، عن عبدالله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : إن أول صدقة تصدق بها في الإسلام صدقة عمر .
* وفاته :
قتل عمر رصي الله عنه بسبب اتهامه بالظلم – حسب الظاهر – من قبل الغلام المجوسي رغم أن عدالة عمر أصبحت مضرب المثل وكان عمر رمزاً للعدالة .
كانت إصابة عمر – رضي الله عنه – يوم الأربعاء وبقي جريحاً عدة أيام إلى أن توفاه الله قبل نهاية ذي الحجة بأربعة ليالي سنة 23هـ .
فقد أظهر رحمة الله في خلافته حسن السياسة والحزم والتدبير والتنظيم للإدارة المالية ورسم خطط الفتح وسياسة المناطق المفتوحة والسهر على مصالح الرعية وإقامة العدل في البلاد .
الخليفة الثالث : ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه :
* اسمه ونسبه :
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي نسبه إلى أمية بن عبد شمس .
* إسلامه واستشهاده بذي النورين :
أسلم عثمان بن عفان بدعوة من أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقد تتبع عثمان وطلحة أثر الزبير ، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن وأبناهم بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله فأمنا وصدقنا . وكان إسلام عثمان مبكراً قبل دخول الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ويذكر أنه حين أسلم كمل به عشرة من المسلمين .
لقب عمر رضي الله عنه بذي النورين لأنه تزوج بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقية وتوفيت بعيد غزوة بدر – ثم توفيت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً .
* هجرته :
ذكر ابن سعد أن عثمان كان ( ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية ومعه فيهما جميعاً أمرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* مشاهدة :
لم يشهد عثمان غزوة بدر ، فقد كانت زوجة رقية مريضة ، فاشتغل بتمريضها عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فأقام بسببها في المدينة وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه منها وأجره فيها فهو معدود فيمن شهدها .
وشهد أحد وتولى يومئذ فيمن تولى ، وقد نص القرآن على العفو عنهم ، فقال تعالى : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ) . وشهد الخندق والحديبية وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فضرب بإحدى يديه على الأخرى – وخيبر ، وعمرة القضاء ، والفتح ، وهوازن ، والطائف وتبوك ، وجهز جيش العسرة .
* أعماله :
1- نسخ القرآن الكريم :
ذكرت فيما سبق أن أبا بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم وعهد بهذه المهمة إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه وكتبت نسخة من القرآن الكريم وحفظت في بيت بكر ثم عمر ثم حفصة . ولما أنتشر الإسلام وعمت الفتوح ودخل في الإسلام أقوام من غير العرب فخشي بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من اختلاف الناس بالقرآن أو تحريف شيء من القرآن لفظاً أو أداء .
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فنسخوها ، فرد عثمان المصحف إلى حفصة فأرسل إلى كل أفق .
2- الاستمرار في عملية الفتح الإسلامي .
ففي عهده رضي الله عنه فتحت البلاد التالية :
أ- في بلاد فارس :
طبرستــــان :
وكان فتحها على يد سعيد بن العاص وعدد من الصحابة منهم الحسن والحسين وابن عباس وابن عمر وحذيفة .
تركيــــــا :
وكان فتحها سنة (32هـ) على يد عبد الرحمن بن ربيعة بعد إحكام السيطرة على اصطخر، وخراسان ونيسابورو وغيرها .
ب- وأما في جبهة الشام :
في السنة الثانية من خلافة عثمان سار معاوية إلى بلاد الروم ففتح عمورية وطرطوس وإنطاكية . وفي سنة (28هـ) فتح معاوية جزيرة قبرص .
ج- جبهة مصر وشمال إفريقيا :
حيث أمر عثمان عمرو بن العاص أن يوجه جيشاً إلى طرابلس وطنجة وبقيت الجيوش تتقدم حتى وصلت إلى الجزائر عام (27هـ) .
3- تنظيم بعض أمور الدولة ومرافقها :
لا شك أن عمر بن الخطاب قد نظم بعض أجهزة الدولة ومرافقها ولكن عثمان جاء فأحدث أنظمة جديدة ومنها :
أ- أنه أقطع القطائع : وهي أراضي وزعها على بعض الفاتحين ليعملوا بها ويستقروا فيها ويعمروها .
ب- خصص مرتباً شهرياً المؤذنين في المساجد .
ج- فوض الناس في الدولة الإسلامية بإخراج زكاة أموالهم .
د- شكل جهاز أمن (شرطة) وأمر عليه أحد أصحابه .
هـ- أنشأ أول أسطول بحري للمسلمين حين غزا المسلمون قبرص .
* تضحيته :
لقد ضحى رضي الله عنه بنفسه وماله في سبيل الله ضحى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر كذلك حتى سقط شهيداً .
أما عن تضحيته بنفسه فقد هاجر إلى الحبشة بأهله ( رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر الله بأهله بعد لوط ) .
وذهب إلى مكة يوم الحديبية مخاطراً بنفسه لتنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتجسه قريش ، ثم يكون الصلح فيعود عثمان فيجد إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بايع عنه .
* وفاته :
استشهد عثمان رضي الله عنه في المدينة المنورة يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ، سنة خمس وثلاثين للهجرة .
رحمك الله يا عثمان ياذا النورين فلقد قمت بأمانتك ومسؤوليتك خير قيام ونظمت وعملت ، وكان لك الفضل في نسخ المصحف ولكن إرادة الله بأن تصيبك البلوى فهنيئاً لك الشهادة في سبيله ، وتعساً للذين لا يستريحون حتى يلطخوا أيديهم بدماء المسلمين الزكية إنها سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا .
الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجه
* اسمه ونسبه :
علي بن أبي طالب – أسلم أبي طالب عبد مناف – بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، القرشي نسبة إلى هاشم بن عبد مناف .
* إسلامه :
كان علي رضي الله عنه أول من أسلم من الصبيان وقد عده ابن هشام أول ذكر أسلم .
وكان علي بن أبي طالب يعيش في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كلفه وتولى تربيته ليخفف عنه عمه شيئاً من مؤتة العيال .
وحينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان علي لا يزال في حجره فدعاه إلى الإسلام فأمن به وصدقه .
وكان له من العمر آنذاك عشر سنين وقيل تسع . روى ابن إسحاق إن علي ابن طالب رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلام خديجة رضي الله عنها فوجدهما يصليان ، فقال علي : ما هذا يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دين الله الذي اصطفاه لنفسه ، وبعث به رسله فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته ، وتكفر بالات والعزى ) ، فقال له علي : هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم ، فلست بقاق أمرأ حتى أحدث أبا طالب فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره ، فقال له : ( يا علي ، إذا لم تسلم فأكتم ) فمكث علي تلك الليلة ، ثم إن الله أوقع في قلب علي تلك الليلة ، ثم إن الله أوقع في قلب علي الإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد ففعل علي وأسلم ومكث علي يأتيه على خوف من أبي طالب ، وكتم علي رضي الله عنه إسلامه ولم يظهر به .
* هجرته :
لما أصبح قام علي رضي الله عنه عن فراشه ، فعرفوا القوم وتأكدوا من نجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لعلي أين صاحبك ؟ قال لا أدري أورقيباً كنت عليه ، أمرتموه بالخروج فخرج ، وضاق القوم بتلك الإجابة الجريئة وغاظهم خروج رسول الله من بين أظهرهم ، فانتهروا علياً وضربوه ، وأخذوه إلى المسجد فسحبوه هناك ساعة ثم تركوه ، وتحمل علي ما نزل به في سبيل الله وكان فرحه بنجاة رسول الله أعظم عنده من كل أذى نزل به ولم يضعف ولم يخبر عن مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانطلق علي في مكة يجوب شوارعها باحثاً عن أصحاب الودائع التي خلفه رسول الله من أجلها وردها إلى أصحابها وظل يرد هذه الأمانات حتى برئت فيها ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهناك تأهب للخروج ليلحق برسول الله بعد ثلاث ليال قضاهن في مكة .
وكان علي في أثناء هجرته يكمن بالنهار فإذا جن عليه الليل سار حتى قدم المدينة ، وقد تفطرت قدماه ، وهكذا يكون علي رضي الله عنه ، قد لاقى في هجرته من الشدة ، فلم تكن له راحة يمتطيها ولم يستطيع السير في النهار لشدة حرارة الشمس وفي مشي الليل ما فيه من الظلمة المفجعة والوحدة المفزعة وقد قطع الطريق دون أن يكون معه رفيق ، وقد سهل عليه تلك العقبات والمصاعب شعوره بأنه يعمل ابتغاء مرضاة الله عز وجل . وهكذا كانت هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، تضحية وفداء وتحملاً وصبراً وشجاعة وإقدام .
شهد علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (غزوة بدر) وكانت معه الراية ، و(أحد) وكان على الميمنة ، وحمل الراية بعد استشهاد حاملها مصعب بن عمير و(الخندق) وقتل فارس العرب عمر بن عبدو و(الحديبية) و( بيعة الرضوان) و(خيبر) وكانت فيها له مواقف هائلة ومشاهدة طائلة ثم شهد (عمرة القضاء) و(الفتح) و(حنين) و(الطائف) واعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ، وحج معه حجة الوداع .
* أعماله :
إن خلافة علي رضي الله عنه كانت حافلة بالفتن ، فقد بويع بعد مقتل عثمان ، فكانت أيامه فيها فتن ومعارك دامية ، صرفت المسلمين مؤقتاً عن إتمام رسالتهم العالمية بالفتوح التي بدأت في عهد أبي بكر واستمرت طيلة عهد عمر ، وشطراً كبيراً من عهد عثمان .
ولذلك لم يتيح له أن يتم الفتوحات ويتفرغ للإصلاح والبناء ، ولو أمتد به الأجل وخلا عهده من الفتن ، لكان كعهد عمر ، من أزهى عصور التاريخ عدالة واستقامة ويمناً وبركة على الإسلام ، ورحمة للإنسانية .
ومع هذه الفتن التي أحاطت بخلافته ، فقد كان رضي الله عنه ، شديداً في الحق مقيماً للعدل، خاشعاً لله ، مجتهداً في نصح الأمة ، يولي الأخيار ، ويحاسب المقصرين ولا يجامل في الحق أبداً ولا يخاف في الله لومة لائم . زاهداً في الدنيا بعيداً عن الترف ، كما كانت حياته جهداً ، فقد كان موته استشهاداً .
* تضحيته :
كان علي رضي الله عنه ككل أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبالي حين يقدم أي شيء في سبيل هذه الدعوة ، فقد ضحى بنفسه وماله فكان أول فدائي في الإسلام حيث نام على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر ، وعرض نفسه للقتل ، ولكن ذلك لم يكن في حساب علي ذا قيمة ما دام أنه يشارك في تنفير خطة وضعها قائده من أجل هذه الدعوة .
وكان علي من فرسان المسلمين المبارزين في كثير من المعارك منها أحد وبدر ولم يتخلف عن المسلمين إلا في تبوك حيث أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة وقد كان حامل الراية في كثير من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان من ألزم الناس بالرسول ليدافع عنه .
* وفاته :
استشهد علي رضي الله عنه على يد عبدالرحمن بن ملجم الخارجي في الكوفة في فجر اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة أربعين للهجرة وعمره ثمان وخمسون سنة .