في
عام 1959كان"جون ناش"البالغ حينها 30سنة,واحدا من أشهر العقول العبقرية في
الرياضيات فلقد أنجز أطروحته في الدكتوراة وهو بعمر(21)سنة,وكتبها في 27
صفحة فقط!إبتكر فيها ما صار يسمى "نظرية اللعبةGame Theory,أو رياضيات
التنافس"التي إستقطبت إنتباه الإختصاصيين في الرياضيات والإقتصاد,وأحدثت
مؤخرا ثورة في ميدان الإقتصاد,ونال عليها جائزة نوبل عام 1994.
وتلاوي زوجته"سيلفيا"أن زوجها"ناش"ظهرت عليه تصرفات غريبة الأطوار,ثم
ساءت حالته بأن أخذ يكتب رسائل إلى(FBI)ومؤسسات ووكالات حكومية أخرى يؤكد
فيها أن هناك مؤامرات عالمية على وشك أن تحدث.
ثم صار يتحدث علنا في محاضراته الجامعية عن قوى من الفضاء الخارجي ومن
حكومات أخرى تتصل به عبر الصفحة الأولى من مجلة"New York Times".وصار يرى
أشخاصا بأربطة عتق حمر(وهميين طبعا)يدورون حول المجمع الذي يسكن
فيه,معتقدا أنهم من المخابرات الروسية الشيوعية,ونظرا لأوهامه وهلاوسه
وسلوكه الذي صار خطرا,أدخلته زوجته في مستشفى للأمراض
العقلية(نيسان1959),فشخصه الأطباء بأنه مصاب ب"الفصام
الزوري",(ويعني تحديدا:متلازمة تتصف بالأوهام والهلاوس التي تتضمن أفكارا إضطهادية وعظمة).وبعد إخضاعه
لعلاج طبي دوائي وتحليل نفسي تحسنت حالة"ناش"الذي كان يقضي معظم
أوقاته في المستشفى مع الشاعر المشهور حينها"روبرت لويل"المصاب هو الأخر
ب"الإكتئاب الهوسي"
تعلم "ناش"أن يخفي أوهامه وهلاوسه,ويتصرف بعقلانية بالرغم من أنه كان
يعانيها في داخله,وخرج من المستشفى ,وأقسم أن يتخلص من كونه"مواطنا
أمريكيا" فسافر إلى جنيف وأتلف جوازه الأمريكي.لكنه إضطر
بعد سنتين إلى العودة.وظهرت عليه أعراض جديدة من الشيزوفرينيا,فقد أخذ
يرتدي ثياب فلاح روسي ويتحدث عن السلام العالمي وضرورة وجود حكومة عالمية
واحدة.وبعث برسائل,وأجرى إتصالات هاتفية يتحدث فيها عن نظريات رياضية
وشؤون عالمية,الأمر الذي دعا المسؤولين في الجامعة والأصدقاء والأطباء
النفسانيين أن يلحوا على زوجته لإدخاله المستشفى مرة أخرى,ففعلت,وتلقى فيه
علاج الأنسولين والرجات الكهربائية الشائعة الإستعمال في الستينات.فتحسنت
حالته وغادر في عمر الثالثة والثلاثين,وعاد إلى البحث العلمي مركزا هذه
المرة في "توازنات التمايز الجزئي".وبدت تظهر عليه من جديد إختلالات في
تفكيره وكلامه وسلوكه,فأدخلته
زوجته في مستشفى خصوصي هذه المرة,قضى فيه خمسة أشهر من العلاج النفسي والدوائي وبعد مغادرته,
قام أصدقاؤه بمساعدته من جديد على إنجاز أبحاثه,فكتب مقالات مميزة
نشرت في مجلات علمية رائدة غير أن الذهانات الحادة ظلت تأتيه من وقت
لأخر,إلى السبعينيات والثمانينيات حيث تحسنت حالته تدريجيا وتعافى من
"الشيزوفرينيا"بالرغم من عدم تناوله لأي علاج,الأمر الذي أثار دهشة
الإختصاصيين,الذين لم يجدوا تفسيرا لشفائه إلا في رعاية زوجته ومداراتها
له وعلاقتها الحميمة به وفي الإسناد الدائم له من أصدقائه في إختصاص
الرياضيات.
واصل "ناش"أبحاثه العلمية,ومنح جائزة نوبل عام1994في الإقتصاد
لمساهماته الأصيلة والمبتكرة في "نظريةاللعبةGame Theory"أو "رياضيات
التنافس"التي أححدثت ثورة في حقل الإقتصاد وهو يعيش الأن مع زوجته سيلفيا
في برنستون,ويواصل عمله في إبتكار نظريات الرياضيات,ويرعى,في الوقت
نفسه,إبنه "جوني"الحاصل على الدكتوراة في الرياضيات أيضا!-الذي يعاني من
مرض أبيه نفسه-وفضلا على ما لقيه من تكريم,فقد كرمته السينما أيضا
بإنتاجها فلما عنه بعنوان"Beautiful Mind"
[center] والأن إفترض معي لو أن أستاذا جامعيا أو عالما أو مفكرا أو مثقفا أو
شاعرا في بيئتنا العربية ,أصيب بالشيزوفرينيا فماذا سيحصل له
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟