بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
مواعظ من قصة النبي نوح عليه السلام
نوح عليه السلام أول أولي العزم سادة الأنبياء، أرسله الله إلى عامة البشر بكتاب وشريعة فكتابه أول الكتب السماوية المشتملة على شرائع الله، وشريعته أول الشرائع الإلهية. وهو عليه السلام الأب الثاني للنسل الحاضر من الإنسان إليه ينتهي أنسابهم والجميع ذريته لقوله تعالى:
﴿جَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ﴾.
وهو عليه السلام أبو الأنبياء المذكورين في القرآن ما عدا آدم وإدريس عليهم السلام قال تعالى: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ). وهو عليه السلام أول من فتح باب التشريع وأتى بكتاب وشريعة وكلم الناس بمنطق العقل وطريق الإحتجاج مضافاً إلى طريق الوحي، فله المنّة على جميع الموحدين إلى يوم القيامة، ولذلك خصّه الله تعالى بسلام عام لم يشاركه فيه أحد، فقال عزّ من قائل: ﴿سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾. وقد اصطفاه الله على العالمين (آل عمران: 33) وعدّهمن المحسنين (الأنعام: 84، الصافات: 80) وسماه عبداً شكورا (الإسراء:3) وعدّه من عباده المؤمنين (الصافات: 81) وسماهُ عبداً صالحاً (التحريم: 10) وآخر ما نقلَ من دعائه قولُهُ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً﴾.
عبادة الأصنام
لقد كان قوم نوح على التوحيد ولكن الشيطان زين لهم عبادة الأصنام فقادهم لعبادتها وترك عبادة الواحد الأحد.
إن عبادة الله عز وجل هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها وكانت البشرية ممن يعبد الله وحده وقد ورد في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام إن من هؤلاء قوم نوح وكان فيهم أولياء صالحون لهم المكانة والمقام في نفوسهم ولما توفاهم الله شقّ ذلك على الناس فجاءهم إبليس لعنه الله وقال لهم: أتخذ لكم أصناماً على صورهم فتنظرون إليهم وتأنسون بهم وتعبدون الله، فأعد لهم أصناماً على مثالهم فكانوا يعبدون الله عز وجل وينظرون إلى تلك الأصنام، فلما جاءهم الشتاء والأمطار أدخلوا الأصنام البيوت. فلم يزالوا يعبدون الله عز وجل حتى هلك ذلك القرن ونشأ أولادهم فقالوا: إن آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء فعبدوهم من دون الله عز وجل.
لقد تحولت الأصنام إلى أرباب تعبد وقد أطلقوا عليها أسماء متعددة هي أسماء الأولياء الصالحين الذين كانوا فيهم قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْر﴾.
صنم النفس
وبالإضافة لعبادة تلك الأصنام، برز نوع آخر من الأصنام أيضاً، وهي النفس والهوى التي منعتهم من اتباع دعوة نوح لهم إلى الحق، هذه الصفات الشيطانية التي قد يحملها الإنسانفتمنعه من الاهتداء لطريق الحق وسماع دعوة الأنبياء وقد حمل قوم نوح صفة من هذهالصفات كانت حجتهم في رفضهم لدعوة نوح إلى التوحيد، وهي صفة التكبر.
إنالتكبر صفة شيطانية وهي تعني التعالي والتعاظم على الناس وهي من أكبر موانعالإستجابة لدعوة الأنبياء وكل دعوةٍ حقةٍ.
وتكبرهم كان على نوح عليه السلامتارةً وعلى المؤمنين تارةً أخرى.
أما الأولى فإن تكبرهم على نوح عليه السلامكان لأنهم كانوا لا يرون لنوحٍ أي فضلٍ عليهم ليكون رسولاً لربِّ العالمين دونهمفقالو: ﴿فَقَالَالْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراًمِثْلَنَ﴾.
وقد أجابهم نوح عليهالسلام عن ذلك بقوله: ﴿قَالَ يَا قَوْمِأَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْعِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَاكَارِهُون﴾.
فعجبهم بأنفسهممنعهم من الاستماع لنوح إذ لم يروا له أي فضل عليهم.
وهذا النوع من التكبرهو ما يعتبره الإمام الخميني قدس سره من التكبر على الأنبياء والرسل والأولياءوكثيراً ما كان يحصل في زمن الأنبياء.
وأما الثانية وهي تكبرهم على من آمن بنوحقالو: ﴿وَمَانَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَانَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين﴾.
بل وصل بهم التكبربعد أن علموا بأن دعوة نوح هي دعوة إلى الحق أن طلبوا منه أن يطرد هؤلاء المؤمنينفكان جواب نوح عليه السلام لهم:
﴿وَمَا أَنَابِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْقَوْماً تَجْهَلُونَ * وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْأَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلاَأَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ﴾.
لقد تكرر الإحتجاج بهذه الحجة من قبل كل قومٍ رفضوا الإيمان وكان جواب الأنبياء عليهم السلام رفض هذا المنطق من أساسه، لكسرِ هذه الفضائلِ الموهومةِ التي يراها هؤلاء لأنفسهم.
التكبر
يعتبر التكبر من الآفات الخطيرة التي تصيب النفس الإنسانية، كما أن الشريعة نهت عنه في كثير من الآيات والروايات، وعن هذه الآفة الخلقية المعيبة لدين المرء، أفرد الإمام الخميني قدس سره حديثاً في كتابه "الأربعون حديثاً" وتحدّث عن منابعه وأصله ودرجاته، وخطورته على المؤمن.
وقد قسم درجات الكبر إلى أربعة درجات يقول قدس سره: إعلم أن للكبر، من منظور آخر، درجات:
الأولى: التكبر على الله تعالى.
الثانية: التكبر على الأنبياء والرسل والأولياء صلوات الله عليهم.
الثالثة: التكبر على أوامر الله تعالى، وهذا يرجع إلى التكبر على الله.
الرابعة: التكبر على عباد الله تعالى، وهذا أيضا يراه أهل المعرفة راجعا إلى التكبر على الله.
وعن أهم عوامل الكبر يقول الإمام قدس سره: إعلم إن من عوامل التكبر، فضلاً عمّا سبق ذكره من الأسباب، هو صغر العقل، وضعف القابلية، والضعة، وقلة الصبر. فالإنسان لضيق أُفقه ما أن يجد في نفسه خصلة مميّزه حتى يتصور لها مقاماً ومركزاً خاصاً. ولكنه لو نظر بعين العدل والإِنصاف إلى كل أمر يتقنه وكل خصلة يتميز بها، لأدرك أن ما تصوره كمالاً يفتخر به ويتكبر بسببه، إمّا أنه ليس كمالاً أصلاً، وإمّا أنه إذا كان كمالاً فإنه لا يكاد يساوي شيئاً إزاء كمالات الآخرين، وأنه كمن صفع وجهه ليحسب الناس احمرار وجهه نتيجة النشاط والحيوية. كما قيل: "استَسمَنَ ذا وَرَمٍ".
وأما علاج الكبر فلا بد وأن يدرك المريض بهذا المرض سوء الحالة التي وصل إليها، وهي الحالة التي يتساوى فيها في الصفة مع الشيطان الذي تكبر على آدم عليه السلام، وبعد أن يدرك سوء الصفة والمتصف بها عليه أن يتأمل في الدنيا وأن يعلم أنه وبالقياس إلى الآخرين فإنه ليس أفضل منهم، فهناك الكثيرون ممن هم أهم منه وأكثر فائدة لأمتهم. وليتأمل الإنسان في الكثير من الآيات التي تحدث الله تعالى فيها عن المتكبرين وسوء العاقبة التي تنتظرهم، ولينظر في الأحاديث الكثيرة التي تشير إلى المتكبر بأنه لن يدخل الجنة، وليتأمل في ما قاله العلماء العظام في ذم هذه الصفة، فالإمام الخميني قدس سره يقول مخاطباً الإنسان:
"فيا أيها العزيز! إذا كان التكبر بالكمال المعنوي، فقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام أرفع شأناً، وإذا كان بالرئاسة والسلطان، فقد كانت لهما الرئاسة الحقة. ومع ذلك، كانا أشد الناس تواضعاً.واعلم أن التواضع وليد العلم والمعرفة، والكبر وليد الجهل وانعدام المعرفة، فامسح عن نفسك عار الجهل والانحطاط، وأتصف بصفات الأنبياء، واترك صفات الشيطان، ولا تنازع الله في ردائه - الكبرياء - فمن ينازع الحق في ردائه فهو مغلوب ومقهور بغضبه، ويُكَبُّ على وجهه في النار".
إبليس النموذج الأبرز لصنم التكبر
وأما أول من تكبر فقد كان إبليس حيث أمره الله عز وجل بالسجود لآدم فأبى تكبراً منه قال:
﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.
وهذا التكبر من إبليس إنما نشأ من عدم الإيمان الحقيقي بالله عز وجل وهذا هو السبب في بطلان عبادته كلها ولذا ورد عن الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة:
"... فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة".
ومن الكلمات المؤثرة للإمام الخميني قدس سره في ختام حديثه عن علاج هذه الصفة الذميمة يقول:
"إن الشيطان لم يكن قد تكبّر على الله، بل على آدم وهو من مخلوقات الحق، فقال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾، فاستعظم نفسه واستحقر آدم، وأنت تستصغر بني آدم وتستكبر بنفسك عليهم، فأنت أيضاً تعصي أوامر الله .
لقد قال لك تعالى: كن متواضعاً مع عباد الله، ولكنك تتكبر وتتعالى عليهم. فلماذا، تلعن الشيطان وحده؟ أشرك نفسك الخبيثة معه في اللعن أيضاً، مثلما أنت شريكه في هذه الرذيلة.إنك من مظاهر الشيطان، بل إنك تجسّد الشيطان.ولربما كانت صورتك في البرزخ وفي يوم القيامة صورة شيطانية". [/center][/color]