آمن لسيدنا إبراهيم، سيدنا لوط، عليهما السلام، وراح بعد ذلك يدعو قومه إلى عبادة الله، وتَرْكِ السيئات، وكان لقوم سيدنا لوط سيئة انفردوا بها، دون غيرهم من الأمم التي سبقتهم.
تلك السيئة هي مباشرة الذكران من دون النساء، وهذه السيئة تترك في المجتمع آثاراً اجتماعية خطيرة، إذ أن ممارسة تلك العادة تخلق جيلاً متحللاً من القيم، ومن الأخلاق. وهي بالحقيقة تتويجٌ لسلوكية مجتمع منحرف. إن الفاعلين لتلك الشهوة الشاذة تفقد من المفعول بهم صفة الحياء والرجولة، وتحولهم إلى أشباه الرجال. إذ لا نستطيع أن نعدهم من الرجال ولا من النساء ومن الفاعلين تفقد صفة المروءة والوجدان. لذلك فاجتثاث الفاعل والمفعول به من الأرض أولى من بقائهم، ما داموا مصرِّين، لأنهم أصبحوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وحيث أن قوم لوط عليه السلام هم أول من فتح باب الشذوذ الجنسي بالعالمين واخترعه وابتدعه، لذا كان عقابهم الردعي عنيفاً، وعليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ،إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} سورة الأعراف 80ـ81: تلقون بهذا الماء الطاهر في مكان نجس وتهدرونه وأنتم تبصرون ضعة نفوسكم وانحطاطها.
إن لوطاً عليه السلام، قد حذرهم من مسلكهم الشاذ هذا، وبين لهم أن فعلهم لم يسبقهم إليه أحد من العالمين. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: {... أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} سورة الأعراف 82: هؤلاء جماعة يتظاهرون بالصلاح، هذه شهوة بكل إنسان.
لقد بلغت الوقاحة بقوم سيدنا لوط حد المجاهرة بخطيئتهم، وبلغ بهم العمى أن راودوا لوطاً عليه السلام عن ضيفه، وقد ضاق عليه السلام بهم ذرعاً، وعرض عليهم الزواج الشرعي من بناته حيث أن هذا هو أطهر لهم، حتى لا يخزوه في ضيفه، إلا أنهم رفضوا هذا العرض وقالوا: {قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ...} سورة هود 79: لا نحبُّ النساء. {...وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}: من الوساخة والسفالة.
فلما رفضوا الزواج من بناته، وأصروا على ما جاؤوا من أجله، طمأنه ضيوفه بأنهم لن يصلوا إليه، وأخبروه بأنهم ملائكة، جاؤوا ليقطعوا دابرهم مصبحين، ثم طلبوا من سيدنا لوط أن يسري بأهله بقطْع من الليل، من غير أن يلتفت منكم أحد بنفسه إلى أقربائه، لأنهم كفرة فجرة، وذلك كيلا تتلوث نفوسكم بالتفاتكم إليهم من شفقة أو عطف، أما امرأتك فقد قدرنا عليها ما قدرنا على قومك وإنه مصيبها ما أصابهم، لأن نفسها تغبَّرت من نفوس قومها، بسبب حبها لأهلها وميلها لهم، بدل الالتفات إليك، أو الاستماع لك.
من أجل ذلك حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين، أن يعلّقوا قلوبهم بمن حادَّ الله ورسوله.
قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} سورة المجادلة22.
إن إتيان هذا المنكر أصبح في المجتمعات الحديثة شائعاً، كما أنه أصبح مشروعاً عند بعض الدول الغربية، وهذا الشذوذ تفشى كثيراً في بعض دول الشرق الأدنى، فإذا أهلك الله قوم لوط بهذا العمل السيء، الذي يقضي على الحرث والنسل، والذي ليس له من شهوة سوى الشذوذ الجنسي في نفوس مرتكبيه، فما بالك وحال المجتمع الحديث كما نراه من تخنث ومشابهة بين الرجال والنساء، إلا أن نتوقع هلاكاً مروعاً يشيب لهوله الولدان.
قال تعالى: { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ... }: استاء وضاق صدره بهم: {...وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا... }: ضاق صدره من مجيئهم، لأنه يعرف أن قومه أرذال: {... وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}:لا خلاص به: {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ... }: السفالة: هذه صفتهم: {...قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ...}: أزوّجكم إيّاهن: {...فَاتَّقُواْ اللّهَ...}: ألا تخجلون؟!. {...وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ }:ألا يوجد فيكم رجل عاقل يستنكر هذا العمل؟!. { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ...}: لا نحبّ النساء: {... وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }: من الوساخة والسفالة: { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً...}:لأردّكم: {...أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}:ظهرٌ أستند إليه، أو أحد أركن إليه في دفعكم:{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ...}:الملك لا يُعرف وهو بصورة إنسان، سيدنا إبراهيم عليه السلام، زوجة سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط عليه السلام لم يعرفوهم: {... لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ...}:إليهم بالمحبة: {...إِلاَّ امْرَأَتَكَ...}: كانت تحب قومها، كفرت بحبّها لقومها، كذلك حبّ المرء يجرّه لحال من يحب: {... إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ...}: ستهلك معهم، لأنها كافرة مثلهم. على الإنسان أن يعلّق قلبه بأهل الطهارة: {...إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}: جاؤوا وقت الصبح: { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا...}: حصل لهم زلزال إذ قَلَب الأرض: {... وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ...}: من سجل عملهم، كل واحد مسجّل عليه عمله من حسنات وسيئات: {... مَّنضُودٍ}: متتالية، واحد بعد واحد. {مُّسَوَّمَةً..}: كل واحد وبلاؤه على حسب ما يستحق، كل حجَر وعليه اسم صاحبه، يصيبه على حسب حاله، فالبلاء مخصص والرحمة مخصصة: {...عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ...}: الآن: {... بِبَعِيدٍ} سورة هود 77ـ83: كل واحد سينال حقّه. زلازل هربوا منها، فإذا الحجارة ترجمهم من السماء.
إذن: على الإنسان ألا يعلق قلبه بالمعرضين فهذه زوجة رسول الله لوط عليه السلام كانت مغبرة النفس حيث كان لها محبة لقومها فجاءها البلاء معهم بمقدار ما تستحق، فمن حبها لهم وتعلقها بهم اغبرت واتسخت نفسها فصارت رائحتها القلبية من رائحتهم.
الله تعالى يقول للإنسان {أقبل عليَّ عبدي وانظر نتائج المعاصي} الإنسان الصحيح المؤمن لا يعلق قلبه إلا بأهل الحق، ولا يعلق قلبه بالكفرة {المؤمن يبغض لله ويحب لله} فأحبب أهل الكمال، فالمرء يحشر مع من يحب وأولئك هم الناجون من كلِّ كرب وهم: {... لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } سورة يونس 62. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة 1